ذات صلة

آخر الموضوعات

عودة جريان نهر “الكبير الشمالي” في اللاذقية بعد أشهر من الجفاف

عاود نهر الكبير الشمالي في محافظة اللاذقية شمال غربي...

تقرير أممي جديد يضع سوريا على الخطوط الأمامية لمواجهة تغّير المناخ

زاهر هاشم | أكّد تقرير "حالة المناخ في المنطقة العربية...

الزراعة أم الرحيل: أزمة مناخية تهدد سبل العيش في سوريا

في قلب ريف محافظة حماة السورية، يقف رزق السيد...

تقرير أممي جديد يضع سوريا على الخطوط الأمامية لمواجهة تغّير المناخ

زاهر هاشم |

أكّد تقرير “حالة المناخ في المنطقة العربية 2024” الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، أن سوريا كانت ضمن الدول العربية التي شهدت أحرَّ الأعوام في سجلّها المناخي، في إقليم عربي بات يسجّل معدّل احترار يقارب ضعف المتوسط العالمي.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة العربية أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة الأممية يركز على المنطقة، والذي خلص إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020 بمعدل 1.08 درجة مئوية.

حرارة غير مسبوقة وموجات حر أطول

يصنّف التقرير سوريا ضمن إقليم “الشرق الأدنى”، ويتشكل هذا الإقليم، الذي يضم العراق وبلاد الشام، من الجبال والهضاب ووديان الأنهار الخصبة.

وفي حين تتلقى المناطق الجبلية الثلوج في فصل الشتاء، تظل المناطق الداخلية مثل الصحراء السورية جافة على مدار العام مع صيف حار وشتاء بارد.

ويعدّ هذا الإقليم من أسرع الأقاليم العربية احتراراً، إذ سجّل انحرافاً حرارياً يتجاوز درجة مئوية واحدة فوق متوسط الفترة 1991–2020، وأكثر من درجتين فوق خط الأساس القديم (1961–1990).

يعني هذا أن أي موجة حرّ جديدة اليوم سوف تأتي فوق خط أساس أكثر حرارة من ذي قبل، ما يجعل تأثيرها على البشر والزراعة والموارد المائية أكثر حدّة.

ورُصدت في عام 2024 موجات حرّ قوية امتدّت عبر سوريا والعراق والأردن ودول أخرى في الإقليم، مع ازدياد واضح في عدد الأيام التي تتجاوز فيها درجات الحرارة معدلاتها الطبيعية بعدة درجات متتالية.

وهذه الموجات، كما يلفت التقرير، لم تعد حدثاً استثنائياً معزولاً، بل أصبحت جزءاً من اتجاه طويل الأمد لمناخ أكثر سخونة وجفافاً في المنطقة.

جفاف متكرر وسيول مفاجئة

على الرغم من أن أجزاءً من سوريا سجّلت أمطاراً أقل من المتوسط طويل الأجل، يؤكد التقرير أن البلاد شهدت في 2024 نمطاً من الجفاف المتكرر خصوصاً في المناطق الزراعية والبادية، ما يشكّل ضغطاً على الموارد المائية وإنتاج المحاصيل ويزيد هشاشة الأراضي أمام التصحّر.

لكن المفارقة أن هذا الجفاف لم يمنع حدوث فيضانات كبرى مفاجئة أوائل عام 2024، أثرت بشكل رئيسي على العراق وسوريا، ففي 17 كانون الثاني/يناير، تعرّض شمال غربي سوريا لأمطار غزيرة أثّرت – بحسب أرقام منظمات أممية ودولية نقلها التقرير- على قرابة 10 آلاف شخص، كما شرّدت الفيضانات في سوريا أكثر من 9700 شخص وألحقت أضراراً بمئات الخيام في مخيمات اللاجئين.

وشملت الآثار الصحية للظواهر الجوية المتطرفة أيضاً الأمراض المرتبطة بالحرارة، والأمراض المنقولة بالمياه.

حرائق الغابات خسائر إضافية

تُمكّن تقنية التصوير عبر الأقمار الصناعية من رصد شامل لحرائق الغابات من خلال الكشف عن بصمات الدخان الجوي والتغيرات التي تطرأ على المناظر الطبيعية بعد الحرائق.

واستناداً إلى بيانات الأقمار الصناعية، يشير التقرير إلى أن منطقة شمالي سوريا كانت ضمن البؤر التي سُجّل فيها نشاط ملحوظ للحرائق في عام 2024، ويُظهر الشرق الأدنى اتجاهاً تصاعدياً طفيفاً، بواقع 0.33 × 10⁶ هكتار لكل عقد.

ورغم أن بعض هذه الحرائق قد يرتبط بالنزاع أو باستخدام الأراضي، فإن المناخ الحار والجاف يجعل الغطاء النباتي أكثر هشاشة وقابلية للاشتعال، ويحوّل أي شرارة طبيعية أو بشرية إلى حريق واسع.

تشكّل هذه الحرائق خسارة إضافية للغطاء النباتي وزيادة تعرية التربة، ما يغذّي بدوره دوّامة التصحّر ويدفع مزيداً من السكان إلى حافة الهشاشة الاقتصادية والبيئية.

عواصف غبارية شرقاً

يتوقف التقرير أيضاً عند عاصفة غبارية كبرى في كانون الأول/ديسمبر 2024، نشأت فوق مناطق من شرقي سوريا وشمالي العراق قبل أن تحمل الرياح كميات ضخمة من الغبار نحو الخليج العربي.

وأدت العاصفة حينها إلى تدهور حاد في جودة الهواء وتدنّي الرؤية في عدد من المدن الإقليمية، وسُجّلت إصابات صحية في الدول المتأثرة.

إن انطلاق الغبار من شرقي سوريا بهذا الحجم يعكس واقعاً مقلقاً، إذ يشير إلى تربة أكثر جفافاً، وغطاء نباتي متراجع، وأراضٍ مفتوحة للرياح بفعل تغيّر المناخ وسوء إدارة الموارد وتداعيات الحرب على الزراعة والرعي.

في الخطوط الأمامية

تُظهر معطيات التقرير أن سوريا لم تعد تقف على هامش أزمة المناخ العالمية، بل أصبحت ضمن الخطوط الأمامية لها في المنطقة العربية، مع عام قياسي الحرارة، وجفاف مزمن تتخلّله فيضانات مدمّرة، وحرائق غابات في الشمال، وعواصف غبارية تنطلق من الشرق نحو دول الجوار.

وفي بلد أنهكته الحرب والنزوح وتدهور البنية التحتية، تحولت هذه الظواهر المناخية إلى مضاعِف خطير للأزمات، مع تراجع مستويات الأمن الغذائي، والضغط على ما تبقّى من منظومة المياه والزراعة والصحة.

ويكتسب التقرير أهمية خاصة بأنه يقدّم لأول مرة إطاراً إقليمياً واضحاً يضع سوريا ضمن خريطة أوسع لاحترار يتسارع في العالم العربي، ويؤكد أن التعامل مع تغيّر المناخ في سوريا لم يعد ترفاً بيئياً أو موضوعاً مؤجلاً، بل ملف بقاء ومعيشة يومية مرتبط بأمن الغذاء والماء والاستقرار الاجتماعي.

ومن دون بناء سياسات تكيف حقيقية، وتعزيز نظم الإنذار المبكر، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، فإن الأعوام القادمة قد تحمل نسخاً أشد قسوة مناخية من العام الفائت على الإنسان والأرض في سوريا.

تلفزيون سوريا


اكتشاف المزيد من بيئة سوريا

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.