زاهر هاشم |
يواجه العالم أزمة جوع عالمية تزداد رسوخاً، في ظل عدم كفاية الموارد للاستجابة لها، وتفاقم الصراعات والصدمات الاقتصادية، والكوارث المناخية، التي أجبرت الملايين على مغادرة ديارهم.
ويواجه 318 مليون شخص حول العالم مستويات جوع حرجة أو أسوأ العام القادم، بحسب تقرير “توقعات برنامج الأغذية العالمي العالمية لعام 2026 ” الصادر في 18 من تشرين الثاني /نوفمبر 2025، وهو رقم كبير يتجاوز ضعف الرقم المسجل عام 2019.
وعلى الرغم من نجاح جهود برنامج الأغذية العالمي هذا العام للوقاية في إنقاذ عدة مجتمعات من براثن المجاعة، فإن أزمة الغذاء العالمية لا تشير إلى أي بوادر انحسار في العام المقبل، إذ من المتوقع أن تُؤدي النزاعات والظواهر الجوية المتطرفة وعدم الاستقرار الاقتصادي إلى عام آخر من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
ويهدف البرنامج إلى الوصول إلى 110 ملايين شخص من الفئات الأكثر ضعفاً بتكلفة تصل إلى 13 مليار دولار أميركي في عام 2026، لكن اتجاهات التمويل الحالية تشير إلى عدم إمكانية الوصول إلا إلى ما يقرب من نصف هذا الهدف.
حالة الأمن الغذائي في سوريا
من بين 16 بؤرة جوع ساخنة حيث يُتوقع أن يتدهور انعدام الأمن الغذائي بين تشرين الثاني 2025 وأيار 2026، يصنّف تقرير التوقعات الأخير، الصادر عن برنامج الأغذية العالمي (WFP) ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) سوريا كإحدى ستة بلدان تواجه حالة “قلق بالغ جداً” بسبب تدهور الأوضاع ووجود أعداد كبيرة من السكان الذين يواجهون بالفعل مستويات طوارئ من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
يشير التقرير الأممي إلى الظواهر الجوية القاسية التي عطلت أنظمة الغذاء، إذ أصبحت موجات الجفاف والفيضانات والعواصف أكثر تواتراً وشدةً، وهي تُفاقم انعدام الأمن الغذائي في جميع المناطق، مع آثار غير متناسبة على المجتمعات التي تواجه بالفعل نقاط ضعف هيكلية.
وتشير توقعات برنامج الأغذية العالمي حالياً إلى وجود 12.9 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا، يشكلون نحو نصف عدد سكان البلاد، وتبلغ كلفة التمويل اللازم في عام 2025 نحو 250 مليون دولار أميركي لمساعدة 2.8 مليون شخص على تجاوز المجاعة.
كما أثرت ظروف الجفاف المطولة بشدة على إنتاج المحاصيل والحبوب في عام 2025، ويقدر إنتاج سوريا من الحبوب بحسب منظمة الفاو، بنحو 1.2 مليون طن مع انتهاء موسم الحصاد في تموز الفائت، أي أقل من المتوسط بأكثر من 60%، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى ظروف الجفاف الشديد وارتفاع درجات الحرارة.
بؤرة ساخنة
ويشير تقرير آخر بعنوان “بؤر الجوع الساخنة” الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي، إلى العوامل الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي الحاد في سوريا.
ويتوقع التقرير أن تتدهور مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد، مدفوعةً بالجفاف الشديد، والاضطرابات الأمنية، والهشاشة الاقتصادية، وفجوات التمويل الحرجة.
وبحسب التقرير تأثر الإنتاج الزراعي بشدة جراء تضرر البنية التحتية، وصعوبة الوصول إلى الأراضي بسبب الألغام ومخلفات الحرب، وارتفاع معدلات النزوح.
وقد أدى جفاف هذا العام وهو الأشد على مستوى البلاد منذ عقود، إلى تدمير غلة المحاصيل، وتقليص مساحات الزراعة الصيفية، وزيادة نقص المياه، وتدهور المراعي، مما أدى إلى مضاعفة أسعار الأعلاف، وتدهور صحة وتغذية الماشية، وانخفاض إنتاج الألبان، بينما ارتفعت أسعار السوق، مما حد من توافر الغذاء للأسر، وخاصة جنوب البلاد.
وتشير التوقعات بحسب التقرير إلى هطل أمطار أقل من المتوسط في الموسم المقبل، مما قد يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وبينما عاد أكثر من 1.14 مليون شخص إلى مناطقهم الأصلية منذ سقوط نظام الأسد، لكن البنية التحتية المتضررة وانعدام الأمن ومحدودية الخدمات تعيق إعادة الإدماج المستدام واستعادة سبل العيش.
يشير التقرير أيضاً إلى أنه ورغم رفع العقوبات الدولية، فإن الأزمة الاقتصادية المطولة، مع نقص واردات النفط وانخفاض قيمة العملة وعدم كفاية السيولة، تُبقي القوة الشرائية منخفضة بشكل حرج.
تتوافق هذه التقارير أيضاً مع تقرير أممي سابق صدر في أيار الماضي، حيث أدرج “التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2025” سوريا ضمن أكبر عشر دول من حيث عدد السكان الذين يعانون من أزمة غذائية حادة، ناتجة عن ازدياد موجات النزوح وارتفاع معدلات البطالة وزيادة أسعار المواد الغذائية.
كما تأخرت زراعة الحبوب الشتوية لعام 2025 بسبب تأخر هطل الأمطار في شتاء 2024، والجفاف في بداية الموسم الزراعي خلال الربع الأخير من العام.
ومع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الارتفاع في عام 2025، فإن الحد الأدنى للأجور لم يُغطِّ سوى 16% من الاحتياجات الغذائية، وأدى ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية، وتضاعف أسعار الأسمدة، إلى زيادة نفقات الإنتاج، وأثر سلباً على الإنتاج الزراعي.
ووصلت سلة الإنفاق الدنيا، التي تقيس كلفة المعيشة، إلى 2.2 مليون ليرة سورية في أيار 2025 قبل أن تتحسن إلى 2 مليون في حزيران، كما ارتفع الحد الأدنى للأجور من نحو 280 ألف ليرة سورية في أيار إلى 750 ألف ليرة سورية شهريًا في تموز بعد زيادة الرواتب بنسبة 200%، وأصبح الأجر الشهري الآن بعد هذه الزيادة يغطي نحو37% من الاحتياجات الغذائية، كما أدى تخفيف قيود الاستيراد وزيادة إمدادات الغذاء وإزالة نقاط التفتيش العسكرية في جميع أنحاء البلاد، إلى انخفاض تكاليف النقل وتسهيل وصول الأغذية.
المصدر تلفزيون سوريا
اكتشاف المزيد من بيئة سوريا
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
