ذات صلة

آخر الموضوعات

الأمم المتحدة: تغير المناخ لم يكن المحرك الأساسي للنزاع في سوريا

لطالما صُوِّرت الانتفاضة السورية، التي اندلعت عام 2011، على...

عودة جريان نهر “الكبير الشمالي” في اللاذقية بعد أشهر من الجفاف

عاود نهر الكبير الشمالي في محافظة اللاذقية شمال غربي...

تقرير أممي جديد يضع سوريا على الخطوط الأمامية لمواجهة تغّير المناخ

زاهر هاشم | أكّد تقرير "حالة المناخ في المنطقة العربية...

الأمم المتحدة: تغير المناخ لم يكن المحرك الأساسي للنزاع في سوريا

لطالما صُوِّرت الانتفاضة السورية، التي اندلعت عام 2011، على أنها “صراع مناخي” وهجرة جماعية وانتفاضة ناجمة عن جفاف حاد، إلا أن هذا السرد الشائع والمتداول إعلاميًا يُفنَّد الآن في تقرير جديد صادر عن معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة (UNU-INWEH) بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر الجاري.

ومن خلال دراسة التغيرات التاريخية في استخدام الأراضي وأنماط الهجرة، يجادل التقرير بأن السبب الحقيقي وراء انهيار سبل العيش في الريف السوري هو خلل بنيوي في الحوكمة، وليس عاملاً بيئياً ضاغطاً. وباستخدام بيانات الأقمار الصناعية وإجراء مقابلات مع المزارعين المتضررين، تمكن الباحثون من فهم الأسباب الجذرية ومسارات الأحداث بشكل أفضل، وكشفوا أن بذور الأزمة زُرعت قبل فترة طويلة من جفاف 2007-2009.

يُفنّد التقرير المعنون “الترابط بين الجفاف والهجرة والصراع: هل كان تغير المناخ السبب الحقيقي للحرب الأهلية السورية؟” نظرية “الحرب المناخية” الشائعة. ويُبيّن التقرير أنه بينما كان الجفاف المناخي في سوريا واقعًا، فإنّ الهجر الجماعي للأراضي الزراعية كان كارثة اقتصادية مُدبّرة على مدى سنوات من السياسات غير المُلائمة.

ويُظهر التحليل أن 19% من الأراضي الزراعية هُجرت بين عامي 2001 و2016، وهو انهيار هيكلي بدأ قبل فترة طويلة من جفاف 2007-2009، مدفوعًا بتفاوتات عميقة وتخفيضات مفاجئة في الدعم تركت أفقر المزارعين عُرضة للخطر.

“وجدنا أن الهجرة قبل الحرب كانت استراتيجية تكيف شائعة بين سكان الريف، حتى في السنوات التي لم تشهد جفافًا. إن إلقاء اللوم على نقص الأمطار يتجاهل القرارات السياسية التي جردت المزارعين من مصادر رزقهم الأساسية”، هذا ما قالته الدكتورة لينا إكلوند ، الباحثة في مجال الأمن البيئي والنزاعات والهجرة في معهد الأمم المتحدة للبيئة والصحة (UNU-INWEH) والمؤلفة الرئيسية للتقرير. وأضافت: “تُظهر البيانات أنه على الرغم من شدة الجفاف، إلا أن النظام الزراعي تعافى بالفعل بعد انتهائه. وكان مزيج الصراع وسوء الإدارة على المدى الطويل هو ما دفع الناس إلى ترك أراضيهم”.

يتحدى التقرير الاعتقاد السائد بأن الجفاف الذي ضرب المنطقة بين عامي 2007 و2009 تسبب في انهيار زراعي فوري أشعل فتيل انتفاضة 2011. وخلافًا لرواية “الانهيار”، تُثبت صور الأقمار الصناعية أن القطاع الزراعي كان يتمتع بمرونة مذهلة: فقد انتعشت زراعة الأراضي الزراعية إلى مستوى قياسي تقريبًا في عام 2010، لتغطي ما يقرب من 90% من الأراضي الصالحة للزراعة قبل عام واحد فقط من اندلاع الحرب.

ومع ذلك، أخفى هذا الانتعاش فجوة عميقة بين “الرابحين والخاسرين”. فبينما استمر الري المدعوم من الدولة في المناطق المتميزة، واجه صغار المزارعين في شمال شرق البلاد، الذي يعتمد على الأمطار، وضعًا بالغ الصعوبة عندما أُلغيت إعانات الوقود والأسمدة في عامي 2008 و2009، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة ديزل الري ثلاثة أضعاف بين عشية وضحاها.

تُشير الدراسة إلى أن الهجرة قبل الحرب كانت في معظمها داخلية ودائرية، تُشكل آلية تكيف تقليدية للبقاء الاقتصادي. ولم تتحول الهجرة من استراتيجية تكيفية إلى نزوح قسري دائم مع فرص ضئيلة للعودة إلا بعد عام 2011، مدفوعةً بعنف الصراع العسكري. في المقابل، خففت مناطق تتمتع بإدارة أفضل للمياه، مثل أجزاء من تركيا المجاورة، من حدة الضغوط المناخية المماثلة، مما يُظهر تفاوتات صارخة بين السياقات ذات الدخل المنخفض والسياقات ذات الدخل المرتفع.

يُشير التقرير إلى شبكة معقدة من العوائق التي فاقمت الأزمة، والتي تعود جذورها بالدرجة الأولى إلى الاعتماد غير المستدام على الزراعة وإخفاقات الحوكمة، وليس إلى العوامل البيئية وحدها. فقد أدت عقود من سياسات الدولة التي شجعت زراعة محاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، كالقطن والقمح، إلى استنزاف احتياطيات المياه الجوفية، مما خلق “جفافًا اجتماعيًا اقتصاديًا” استمر حتى بعد عودة الأمطار.

وتفاقمت هذه الهشاشة بسبب التحول المفاجئ إلى “اقتصاد السوق الاجتماعي”، حيث أدى تقليص شبكات الأمان الاجتماعي وإلغاء الدعم إلى ترك المزارعين في شمال شرق البلاد بلا أي حماية مالية لمواجهة الصدمات المناخية. وفي نهاية المطاف، تؤكد الدراسة أن الصراع نفسه أصبح المحرك الرئيسي للنزوح، إذ دمر البنية التحتية ومنع العودة إلى الأراضي المهجورة، مما رسخ الأزمة وجعلها بعيدة عن متناول التعافي الزراعي.

“يمثل هذا التقرير جرس إنذار لأجهزة الاستخبارات والأمن المهتمة بشؤون المياه والبيئة والمناخ. إن وصف الأزمات الجيوسياسية المعقدة ببساطة بأنها “حروب مناخية” يُعفي سوء الإدارة من المسؤولية”، هذا ما صرّح به البروفيسور كافيه مدني ، مدير معهد الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة (UNU-INWEH). وأضاف: “قد تُثير الروايات التبسيطية ونظريات المؤامرة القائمة على ارتباطات سطحية ضجة إعلامية كبيرة، لكنها تتجاهل العلاقات السببية المعقدة التي يجب فهمها لتحقيق الاستقرار والأمن والعدالة. لا يمكننا حل مشاكل الأمن القومي المتعلقة بالمياه بمجرد النظر إلى السماء؛ بل نحتاج إلى إصلاح الأنظمة التي تُحدد من يحصل على الماء ومن يعاني من العطش”.

الملخص التنفيذي للتقرير:

يُصوَّر تغير المناخ بشكل متزايد على أنه تهديد أمني، إلا أن الروابط بين الجفاف والهجرة والصراعات لا تزال أكثر تعقيدًا بكثير مما توحي به الروايات الشائعة.

فبينما تُصوِّر وسائل الإعلام وبعض الدراسات الأكاديمية جفاف سوريا في الفترة من 2007 إلى 2009 على أنه الشرارة المباشرة لانتفاضة 2011، تُظهر الأدلة أن الضغوط المناخية تتفاعل مع تحديات اجتماعية واقتصادية وزراعية وحوكمية مزمنة، بدلاً من أن تكون سببًا منعزلاً.

يقدم هذا التقرير الصادر عن معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة (UNU-INWEH) إعادة تقييم شاملة للعلاقة بين الجفاف والهجرة والصراع في سوريا، بالاستناد إلى بيانات الأرصاد الجوية، ورصد استخدام الأراضي عبر الأقمار الصناعية، والعمل الميداني مع المزارعين السوريين في تركيا.

ويخلص التحليل إلى أن هجر الأراضي بسبب الجفاف كان محدودًا، وأن النشاط الزراعي استمر قبل الانتفاضة، مما يشير إلى أن التدهور الريفي وضغوط الهجرة كانت موجودة قبل الجفاف، وتفاقمت لاحقًا بسبب الحرب، وليست ناجمة عن ضغوط المناخ وحدها.

تُشكك هذه النتائج في الروايات المُبسطة للغاية حول العلاقة بين المناخ والصراع، وتُبرز الدور المحوري للعوامل الهيكلية – كالتنمية الزراعية غير المستدامة، والاستغلال المُفرط للموارد، وقصور الحوكمة – في تشكيل هشاشة سوريا.

ومع انتقال سوريا نحو مرحلة ما بعد الأسد، سيتطلب التصدي للآثار المُضاعفة للصراع وتغير المناخ سياساتٍ تراعي خصوصية الصراع، تجمع بين التقنيات الحديثة وممارسات إدارة المياه التقليدية، بالإضافة إلى إصلاحات في الحوكمة تُعزز القدرة على الصمود على المدى الطويل.

النتائج الرئيسية

يُبسّط سرد “الجفاف والهجرة والحرب” تعقيد هشاشة القطاع الزراعي تبسيطًا مفرطًا؛ فالنزاع والأزمة المستمرة لا يمكن إرجاعهما إلى سبب واحد، بل إن جذورهما عميقة في النظام السياسي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية غير المتكيّفة، وتأثيراتهما على القطاع الزراعي.

تغيّر أنماط الجفاف: أصبح الجفاف في سوريا أكثر تواترًا وشدة، وتشير النتائج إلى أن ارتفاع درجات الحرارة، وليس انخفاض هطول الأمطار، هو المحرك الرئيسي لهذه الظواهر.

تسبب جفاف الفترة 2007-2009 في اضطراب قصير الأجل، وليس انهيارًا تامًا: فبينما ارتفعت نسبة الأراضي الزراعية البور خلال فترة الجفاف، انتعش القطاع الزراعي بسرعة؛ إلا أن قابليته للتأثر بموجات جفاف مستقبلية ازدادت.

ارتفاع معدلات هجر الأراضي الزراعية سبق جفاف عام 2008: فقد هُجرت 19% من الأراضي الزراعية بين عامي 2001 و2016، نتيجة لتغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية متشابكة، وليس بسبب الجفاف وحده.

كانت الهجرة قبل عام 2011 في معظمها قصيرة الأجل وتكيفية : كانت تحركات ما قبل الحرب داخلية ومؤقتة في الغالب، وغالبًا ما ارتبطت بالضغوط الاقتصادية وتأثيرات الجفاف المتوقعة.

حوّلت الحرب الهجرة إلى نزوح قسري – فمنذ عام 2011 فصاعدًا، أصبح انعدام الأمن وفقدان الخدمات والصراع من أهم دوافع الهجرة، مع ازدياد الهجرة الخارجية وتراجع هجرة العمالة التكيفية.

أدت إخفاقات السياسات والحوكمة إلى تفاقم هشاشة الوضع بسبب الجفاف: فقد أدى التوسع السريع في الزراعة كثيفة الاستهلاك للمياه والمعتمدة على الدعم، وضعف إدارة المياه، ثم الإلغاء المفاجئ للدعم لاحقًا، إلى تآكل قدرة المزارعين على التكيف وزيادة المخاطر على المديين القصير والطويل.

توفر الممارسات التقليدية وأنواع المحاصيل الجديدة إمكانات للمرونة: يمكن لإحياء تقنيات تجميع مياه الأمطار، ونشر مياه الفيضانات، وزراعة محاصيل مقاومة للجفاف أن يقلل من الهشاشة إذا تم دمجها في استراتيجيات طويلة الأجل تراعي ظروف النزاعات.

بيئة سوريا


اكتشاف المزيد من بيئة سوريا

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

بيئة سوريا
بيئة سورياhttps://env.sy/
وطن أخضر للجميع