ذات صلة

آخر الموضوعات

ما التبعات البيئية لعودة سوريا إلى “الاتحاد من أجل المتوسط”؟

زاهر هاشم | عانت سوريا لسنوات طويلة قبل سقوط نظام...

عشرة آلاف شجرة تزين أحياء المزة في حملة تشجير جديدة بدمشق

تنفّذ مديرية الحدائق في محافظة دمشق حملة تشجير جديدة...

افتتاح محطة زبدين لمعالجة مياه الصرف الصحي في ريف دمشق

افتتح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ​​بدعم من صندوق...

اختناق صامت في ريف دير الزور الشرقي: حياة تحت دخان النفط

بين البيوت الطينية في بلدة الشعفة شرقي دير الزور،...

ما التبعات البيئية لعودة سوريا إلى “الاتحاد من أجل المتوسط”؟

زاهر هاشم |

عانت سوريا لسنوات طويلة قبل سقوط نظام الأسد، من انهيار بيئي سبّبه تدمير ممنهج للبنية التحتية من محطات كهرباء ومنشآت نفطية ومصانع، ومصافٍ بدائية في الشرق والشمال الشرقي أطلقت كميات هائلة من الملوّثات في الهواء والتربة والمياه، ومكبات نفايات عشوائية متخمة بأنقاض المباني وبقايا الذخائر، وحرائق متكررة في الغابات والأراضي الزراعية، وسط تفكك مؤسسات الدولة وضعف الحوكمة.

ومع سقوط نظام الأسد وجدت سوريا نفسها رهينة لمشاكل بيئية تراكمت على مدى عقود، وأمام تحديات التعامل مع آثار الحرب، بوصفها ملفًا بيئيًا واجتماعيًا لا يقل خطورة عن ملفات الأمن والاقتصاد.

في مواجهة هذا الإرث الثقيل، بدا واضحًا أن المعالجة لن تكون ممكنة من داخل الحدود فقط، بل عبر تبنّي سياسات بيئية جديدة أكثر شفافية واستدامة، والانفتاح على الشراكات مع أوروبا والعالم، من خلال العودة إلى أطر التعاون الإقليمي، والانخراط الفعّال في أجندة المناخ العالمية ومؤتمرات الأطراف، واستقطاب التمويل الأخضر والتقنيات الحديثة في مجالات الطاقة المتجددة، وإدارة المياه والنفايات، وإعادة الإعمار وفق معايير بيئية عالمية.
العودة إلى العمق المتوسطي

ضمن هذا الإطار تعود سوريا إلى الاتحاد من أجل المتوسط ​​بعد غياب دام 14 عامًا، في بادرة دبلوماسية تُبرز التحول الذي شهدته البلاد منذ تحريرها من نظام الأسد، وتثير التوقعات حول دور المجتمع الدولي في إعادة الإعمار، والتأثيرات الإقليمية التي تشمل الاستثمار في الطاقة والتجارة، والبيئة والعمل المناخي.

وعبر مشاركتها مؤخرًا في المنتدى الإقليمي العاشر الذي عقد في مدينة برشلونة الإسبانية نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، كعنوان عملي للعودة إلى طاولة الاتحاد من أجل المتوسط بعد استعادة عضويتها الكاملة، تحرص سوريا على استعادة دورها في الحوار الإقليمي وتعزيز التعاون الشامل في المنطقة، والذي توقف بعد تجميد نظام الأسد عضويته في المنظمة منذ أواخر عام 2011 على خلفية الموقف الأوروبي الداعم للثورة السورية، وفرض عقوبات أوروبية على دمشق ردًا على انتهاكات النظام بحق المدنيين.
وكانت الأمانة العامة للاتحاد من أجل المتوسط قد أعلنت في تموز/يوليو من العام الجاري أن سوريا استأنفت مشاركتها وعضويتها الكاملة من خلال حضور اجتماع كبار المسؤولين، بعد 14 عامًا من التجميد.

يُنظر إلى عودة سوريا إلى الحضن المتوسطي كخطوة سياسية واقتصادية كبرى، لها أيضًا أبعاد بيئية مهمة على المدى المتوسط والطويل

الأبعاد العامة للتعاون المشترك

يتولى الاتحاد من أجل المتوسط العمل عبر منصات قطاعية مختلفة تغطي التنمية الاقتصادية، والتعليم والبحث العلمي، والشؤون الاجتماعية، والمياه والبيئة والاقتصاد الأزرق، والطاقة والعمل المناخي، والنقل والتنمية الحضرية.

وتعني عودة سوريا أنها ستكون طرفًا في المشاريع الإقليمية المموّلة أو المدعومة أورو-متوسطيًا مثل القروض والمنح، والمشاريع المشتركة، وكذلك عودتها إلى الحوار السياسي المنتظم بين ضفتي المتوسط حول قضايا الهجرة والاستقرار، وإعادة الإعمار، والطاقة، من خلال المنصات الفنية التي تجمع الوزارات والخبراء حول ملفات متخصصة.

وتُقرأ هذه العودة أيضًا كجزء من مسار أوسع لإعادة إدماج سوريا في الأطر الأوروبية، إلى جانب تعهدات مالية من الاتحاد الأوروبي لدعم التعافي وإعادة الإعمار.

الأثر المحتمل على البيئة السورية

يمتلك الاتحاد من أجل المتوسط أجندة بيئية ومناخية واضحة، أهمها منصة المياه والبيئة والاقتصاد الأزرق، التي تركّز على الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وحماية البحر المتوسط من التلوث، وتعزيز الاقتصاد الأخضر، وتسريع التحول نحو الطاقات المتجددة، ورفع كفاءة الطاقة، ودعم التكيّف مع تغيّر المناخ.

وإذا ما تمت ترجمة هذه العودة إلى مشاريع فعلية في المياه، وحماية الساحل، والاقتصاد الأزرق، والطاقة المتجددة، فإنها يمكن أن تُسهم بشكل ملموس في تحسين الوضع البيئي في سوريا خلال السنوات المقبلة.

ستترجم هذه العودة إلى مشاريع وفرص بيئية لحماية وتطوير الساحل، وإدارة المياه، والتكيف مع الجفاف، وتعزيز كفاءة الطاقة

انطلاقًا من ذلك، يمكن تلخيص الفرص البيئية لسوريا بعد استعادة العضوية في النقاط التالية:

– مشاريع حماية وتطوير الساحل السوري

تمتلك سوريا شريطًا ساحليًا على البحر الأبيض المتوسط، وهو معرض للتلوث البحري، من السفن ومخلفات الموانئ، والصرف غير المعالج، والمنشآت الصناعية والنفطية القائمة فيه.

ويمكن عبر برامج الاتحاد الخاصة بإزالة التلوث البحري، مشاركة سوريا في مشروعات تعنى بتحسين شبكات الصرف الصحي في المدن الساحلية، وإدارة النفايات الصلبة للحد من وصولها إلى البحر، وحماية التنوع الحيوي البحري.

كما تفتح أجندة الاقتصاد الأزرق المستدام التي تشمل السياحة الساحلية المستدامة، والموانئ الخضراء، والطاقة البحرية المتجددة المجال أمام سوريا لتطوير موانئ أقل تلوثًا وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، وإطلاق سياحة ساحلية تدمج البعد البيئي، وقيام مشاريع صغيرة للصيادين والمجتمعات الساحلية تحسّن دخلهم وتحافظ على البيئة البحرية في آن واحد.

– الطاقة المتجددة والعمل المناخي

تواجه دول البحر الأبيض المتوسط ​​اليوم تحديات مشتركة في مجال الطاقة والمناخ، تتطلب استجابات متعددة الأطراف وجهودًا جماعية عالية المستوى.

ويعمل الاتحاد من أجل المتوسط ​​كمنصة فريدة لتسهيل وتعزيز الحوار والتعاون الإقليمي بالإضافة إلى المشاريع والمبادرات الملموسة في مجالات الطاقة والعمل المناخي من أجل التعامل مع تحديات الطاقة وتغير المناخ في المنطقة مع التقدم نحو نماذج طاقة أكثر أمانًا واستدامة.

يسهّل إطار الطاقة والعمل المناخي على سوريا الوصول إلى تمويلات لمشاريع الطاقة المتجددة، وتبادل الخبرات في إصلاح قطاع الكهرباء نحو نموذج أكثر كفاءة وأقل انبعاثًا، وإعداد استراتيجيات وطنية للتكيّف مع تغيّر المناخ تتماشى مع التزامات اتفاق باريس.

– دعم إدارة المياه والتكيّف مع الجفاف

تُتيح منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​إمكانات هائلة لتحقيق تنمية مستدامة وصديقة للبيئة لشعوبها، ويشجع الاتحاد من أجل المتوسط ​​التعاون الإقليمي لحماية البحر الأبيض المتوسط ​​والموارد الطبيعية للدول الواقعة في منطقته، ويدعم الشراكات المستوحاة من مبادئ الاقتصاد الدائري.

لكن التهديدات البيئية الخطيرة، بما في ذلك ندرة المياه، تُعرّض هذه الجهود للخطر، ويُعدّ الوصول إلى المياه وتوفيرها واستخدامها على نحو مستدام من الشواغل الرئيسية، خاصة في المناطق الواقعة على طول السواحل الجنوبية والشرقية للمتوسط، والتي تُعدّ من بين أكثر مناطق العالم ندرة في المياه.

يعطي الاتحاد من أجل المتوسط أولوية للإدارة المتكاملة للموارد المائية في حوض المتوسط، مع التركيز على ندرة المياه والتصحر.

تشير توقعات برنامج الأغذية العالمي حالياً إلى وجود 12.9 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا، إذ أدت ظروف الجفاف الشديد، وارتفاع درجات الحرارة إلى تراجع إنتاج المحاصيل والحبوب، الأمر الذي يجعل المشاركة من خلال هذا التحالف المتوسطي في برامج تخطيط موارد المياه، ومشاريع ترشيد استخدام المياه في الزراعة، وتقنيات إعادة استخدام المياه المعالجة في الري، في سلم أولويات التعاون مع المجتمع الدولي.

منشور في ألترا صوت


اكتشاف المزيد من بيئة سوريا

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.