كشفت جولة ميدانية في أحد الحقول النفطية بمحافظة دير الزور شرقي سوريا عن تدهور بيئي واسع حوّل أجزاء من الصحراء إلى مجارٍ داكنة من مخلفات نفطية سامة، في مشهد تصفه مصادر ميدانية بأنه “إرثٌ مسموم” خلّفته سنوات الحرب والإهمال وتراجع الحوكمة، بحسب تقرير نشره موقع الجزيرة الانجليزية.
وبحسب التقرير، لا يعود التلوث إلى حادثة واحدة أو معركة بعينها، بل إلى تدفقٍ مستمر لمزيجٍ من النفط الخام و“المياه المصاحبة للإنتاج”، وهي ناتج ثانوي لعمليات استخراج النفط والغاز، يُشار إلى أنه شديد السمية وقد يحمل آثاراً مسرطِنة.
وكان يجري التعامل مع هذه المخلفات سابقاً عبر إيداعها في طبقات تحت الأرض ضمن بروتوكولات تشغيلية، إلا أن تدمير البنى التحتية خلال سنوات الصراع، وعدم إصلاحها لاحقاً، سمح بانسكاب المزيج على مدار الساعة إلى التربة الصحراوية.
لقد حوّلت الحرب والإهمال حقول النفط في دير الزور إلى أنهار من النفايات المسرطنة التي تتسرب إلى التربة السورية.
تسرب نحو المياه الجوفية… واقتراب من الفرات
يُحذّر التقرير من أن هذا السيل الزيتي لا يكتفي بتلويث سطح الأرض، بل يتغلغل تدريجياً باتجاه الخزان الجوفي، ويمتد في الوقت نفسه نحو نهر الفرات الذي تعتمد عليه دير الزور في الشرب والري. وتبرز المخاوف بشكل خاص بسبب قرب مجرى النهر من منطقة التلوث، إذ تفصلها نحو 15 كيلومتراً فقط، فيما قد تؤدي عاصفة مطرية شديدة أو سيول مفاجئة إلى دفع الملوثات باتجاه النهر لتطال الأراضي الزراعية والآبار ومياه الشرب في مناطق أبعد.
حقل “التيم”… صورة مكثفة لحربٍ تعددت أطرافها
في حقل التيم، وهو من المنشآت القليلة التي بقيت تحت سيطرة الحكومة في دمشق ضمن دير الزور، تظهر آثار الحرب على شكل ثقوب في الأنابيب، وخزانات وقود مثقوبة، وبقايا هياكل معدنية مدمرة.
ويربط التقرير هذا الدمار بمراحل متعاقبة من الصراع؛ من سيطرة تنظيم الدولة على أجزاء من الحقول وتمويله لنشاطه عبر النفط، إلى ضربات التحالف بقيادة الولايات المتحدة والقصف الروسي، وصولاً إلى معارك السيطرة بين قوات النظام وحلفائه ومجموعات محلية. والنتيجة—وفقاً للتقرير—كارثة بيئية يدفع ثمنها المدنيون.
“يقتل الطيور فوراً”… شهادات من داخل الموقع
ونقل التقرير عن عاملين ومسؤولين ميدانيين تحذيرات من خطورة المخلفات، مع الإشارة إلى أن تأثيرها يبدو سريعاً على الحياة البرية في محيط الانسكاب. كما يورد التقرير شكاوى محلية من غياب الاستجابة الرسمية، إذ تحدث مسؤول محلي عن تكرار الوعود دون إجراءات ملموسة، بينما لم يصدر ردّ من الحكومة المركزية في دمشق عند التواصل معها، وفق ما ذكره التقرير.
قياس حجم التلوث: “ندبة” بطول 10 كيلومترات
ولإظهار حجم الضرر، استعان معدّو التقرير بتصوير جوي عبر طائرة مُسيّرة، ثم بصور أقمار صناعية. وخلصت المشاهدات إلى أن بقعة التلوث لم تعد “بركة” محدودة، بل تحولت إلى مجرى داكن ممتد يناهز 10 كيلومترات، مع مؤشرات على استمرار تمدده بمرور الوقت.
حل تقني حاضر… وأولوية غائبة
يرى التقرير أن المعالجة من حيث المبدأ واضحة: حفر آبار للتخلص من “المياه المصاحبة” وحقنها تحت الأرض كما كان معمولاً به سابقاً. لكن المشكلة تكمن في ضعف التمويل وتراجع الخدمات الأساسية واتساع احتياجات إعادة الإعمار، ما يجعل إصلاح الضرر البيئي خارج سلّم الأولويات في منطقة تعاني أساساً من نقص الخدمات.
بيئة سوريا – الجزيرة
اكتشاف المزيد من بيئة سوريا
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
