الموقع لا يزال قيد الإنجاز - الموضوعات والمقالات المدرجة في الموقع تجريبية وعرضة للتغيير أو الإزالة في أي وقت

ذات صلة

آخر الموضوعات

ظاهرة “العجاج” في دير الزور.. حين يصبح الغبار هواءً يوميًا

لم يعد "العجاج" في مدينة دير الزور مجرد مشهد...

الجزيرة السورية.. من تراجع الزراعة إلى خطر الأمن الغذائي

تحت غطاء بلاستيكي مهترئ في منطقة الجزيرة السورية، ينحني...

خطا غاز وكهرباء بين تركيا وسوريا قريباً

أعلن وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، الجمعة 2...

زراعة دمشق وريفها: تشجيع الاستثمار في القطاع ‏الزراعي

تعمل مديرية زراعة دمشق وريفها، على معالجة الصعوبات التي...

انعدام الأمن الغذائي.. تركة ثقيلة خلفتها سنوات الحرب في سوريا

زاهر هاشم

بعد 14 سنة من الحرب المدمرة التي شنها نظام الأسد على الشعب السوري، وصلت البلاد إلى وضع يعاني فيه نحو 13 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ما يشكل أكثر من نصف عدد سكان البلاد، وبحسب تقديرات برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة فإن 3.1 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد.

ومن بين من يعانون من جوع حاد ومستمر، تعد النساء الحوامل والأمهات والأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للخطر.

جذور الأزمة

تعود جذور أزمة انعدام الأمن الغذائي في سوريا إلى مطلع الألفية الجديدة، حيث دفع الجفاف الشديد بين عامي 2006 و2007 مئات الآلاف من السكان، ومعظمهم من المزارعين الريفيين، إلى براثن الجوع والفقر، واضطر الكثيرون لترك قراهم وأراضيهم الزراعية بحثًا عن فرص العمل في المدن.

وفي العام 2011 انطلقت الثورة السورية وسط صعوبات اقتصادية وقبضة أمنية شديدة تحكم البلاد، وردت السلطات الحاكمة بقمع عنيف، تطور إلى صراع طويل انتهى مع سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024.

تفاقمت تحديات الأمن الغذائي في سوريا مع تفشي فيروس كورونا عامي 2020 و2021، وهي الفترة التي سجلت فيها مستويات غير مسبوقة من الجفاف وندرة الأمطار، وانخفضت نسبة الأراضي المروية في البلاد إلى النصف تقريبًا، وازداد خطر تدهور غلة المحاصيل بسبب انخفاض تدفق المياه عبر نهر الفرات، الذي يغذي الأراضي المروية.

ولم تكن سوريا بمنأى عن الصدمة الاقتصادية العالمية التي أحدثتها الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، والتي وصلت آثارها الاقتصادية المدمرة بشكل خاص إلى دول الشرق الأوسط وأفريقيا، التي لم تكد تتعافى من الآثار القاسية لجائحة كورونا بعد، وبينما كانت أسعار الغذاء والوقود ترتفع بالفعل في سوريا بسبب الجفاف وتبعات الصراع، أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاعها بشكل أكبر.

وفي شباط/فبراير 2023، ضرب زلزال كبير منطقة شمال سوريا وجنوب تركيا، أدى إلى مقتل نحو 6000 سوري بينما نزح 600 ألف منهم، ممن كانوا يعانون أصلًا من انعدام الأمن الغذائي نتيجةً للحرب.

وفي أيلول/سبتمبر 2024، أدى الهجوم الإسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان، إلى نزوح نحو نصف مليون شخص عبروا الحدود إلى سوريا، معظمهم من السوريين الذين كانوا قد فروا إلى لبنان طلبًا للجوء، لكنهم لم يجدوا أمامهم خيارًا سوى العودة إلى بلادهم، وقد زاد هذا التدفق من استنزاف موارد البلاد، التي كانت تعاني أصلًا من الجوع.

الأمن الغذائي رهينة لتغير المناخ

تعد سوريا من الدول التي بدأت تظهر عليها علامات التغير المناخي بشكل متسارع في السنوات الأخيرة، ويلاحظ ذلك بوضوح في المناطق ذات المناخ المتوسطي المعتدل تقليديًا (مثل محافظات طرطوس، اللاذقية، حمص، وحماة)، إذ تراجع المعدل العام للهطول المطري في عدد من المحافظات بنسبة 25–40% مقارنة بالمعدلات التاريخية، بحسب المهندس الزراعي وخبير التغير المناخي عماد سعد.

ويضيف سعد في حديثه لـ “الترا سوريا” بأن شتاء 2023 سجل كأحد أكثر المواسم دفئًا منذ عام 1950 في مناطق مثل حمص وريف دمشق، إلى جانب نقص الرطوبة النسبية وزيادة تبخر التربة، ما أثر على صلاحية الأراضي للزراعة البعلية، والإضرار بمحصول الزيتون بشكل خاص، الذي يعتمد على الاستقرار الحراري والرطوبي خلال الخريف.

أدى هذا الوضع الجديد، بحسب الخبير، إلى انعكاسات مباشرة على المستوى الزراعي والاقتصادي والاجتماعي في سوريا أبرزها تقلص المساحات المزروعة بالمحاصيل الشتوية كالقمح خصوصًا في منطقة الجزيرة السورية، وتراجع غلة الزيتون في عام 2023، خصوصًا في محافظة إدلب، وتزايد الضغط على المياه الجوفية بسبب شح المياه السطحية، ونضوب بعض الآبار في ريف حلب وحماة، عدا عن الآثار الاجتماعية المتمثلة بالنزوح الزراعي الصامت من الريف إلى المدينة وارتفاع أسعار المنتجات الزراعية.

انهيار اقتصادي

أدى عدم الاستقرار طويل الأمد إلى انهيار الاقتصاد السوري، ومع انهيار أنظمة الغذاء والبنية التحتية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد، وتناقصت القدرة الشرائية للأسر السورية مع انخفاض قيمة الليرة السورية بشكل غير مسبوق.

وإذا كان حوالي ثلث السوريين يعيشون تحت خط الفقر قبل عام 2011، فيقدر تقرير حديث صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون الآن في حالة فقر، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى أقل من نصف قيمته منذ بداية الاضطرابات عام 2011، وتضاعفت البطالة ثلاثة أضعاف، وأصبح واحد من كل أربعة سوريين عاطلًا عن العمل، وقد أدى تدهور البنية التحتية العامة إلى تفاقم آثار الصراع بشكل كبير.

ويحذر التقرير أنه وبمعدلات النمو الحالية، لن يستعيد الاقتصاد السوري مستوى الناتج المحلي الإجمالي الذي كان عليه قبل الحرب قبل عام 2080، ولتقليص مدة التعافي إلى 10 سنوات يجب أن يرتفع النمو الاقتصادي السنوي ستة أضعاف، مع الحاجة إلى زيادة طموحة قدرها عشرة أضعاف على مدى 15 عامًا للوصول بالاقتصاد إلى ما كان عليه قبل الحرب.

حالة الأمن الغذائي في سوريا

تحتل سوريا المرتبة السادسة عالميًا في توقعات الجوع للفترة تشرين الثاني/نوفمبر 2024 – أيار/مايو 2025، بحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مطلع هذا العام، وفي زيادة لافتة عن تقديرات برنامج الغذاء العالمي، يشير التقرير الجديد إلى معاناة 14.56 مليون شخص في سوريا من انعدام الأمن الغذائي، منهم 9.1 مليون شخص مصنفون على أنهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، و5.4 مليون شخص معرضون لخطر الجوع.

ويشير التقرير أيضًا إلى تدهور مقلق في أنماط استهلاك الغذاء، وانخفاض في التنوع الغذائي، إذ تعاني الأسر من انخفاض حاد في إمكانية حصولها على وجبات مكتملة القيمة الغذائية، وتتحمل الفئات السكانية الأكثر ضعفًا، وخاصةً النساء والأطفال، العبءَ الأكبر من انعدام الأمن الغذائي، ويفاقم احتمال إلغاء دعم الخبز حالة انعدام الأمن الغذائي للفئات الأكثر ضعفًا.

وبات القطاع الزراعي اليوم أكثر عرضة للانهيار الهيكلي بسبب تغير المناخ، ما لم تُبنى أنظمة إنتاج زراعي ذكية مناخيًا، تشمل تنويع المحاصيل، والزراعة المحمية، والإدارة المتكاملة للمياه والتربة.

ويوضح المهندس سعد أن التغير المناخي لا يُحدث تأثيرًا فوريًا فقط، بل يغير المعادلات الزراعية الأساسية على المدى المتوسط والطويل، وعليه يمكن وضع انعكاسات التغير المناخي على القطاع الزراعي في مستويين: مستوى الإنتاج الزراعي حيث يؤدي إلى اضطراب في الدورات الزراعية من حيث مواعيد الأمطار ودرجات الحرارة، إلى جانب تراجع الغلال الزراعية بسبب تعرض النباتات إلى إجهاد حراري ومائي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه، إلى جانب ذلك يؤدي التغير المناخي إلى ارتفاع في معدل انتشار الآفات والأمراض النباتية، فيرفع كلفة المكافحة ويهدد المحاصيل الإستراتيجية، إضافة إلى تراجع تغذية المياه الجوفية وتقليص المساحات المزروعة وإجبار المزارعين على تقليل التنوع الزراعي لصالح المحاصيل الأقل استهلاكًا للمياه.

أما على مستوى سلاسل التوريد الزراعية والغذائية، يشير سعد إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج والنقل نتيجة التغيرات المفاجئة في الطقس، ما يؤثر على موثوقية الإمداد والأسعار في السوق المحلية والإقليمية والدولية، وزيادة الفاقد الزراعي بسبب صعوبة التخزين والنقل في ظروف مناخية غير مستقرة، وكلها عوامل تهدد الأمن الغذائي المحلي والإقليمي.

ومن غير المتوقع أن يلبي الموسم الزراعي الحالي التوقعات بسبب الانخفاض الكبير في هطول الأمطار، والزيادة الحادة في أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي، وتبعات الصراع الذي ألحق الضرر بالبنية التحتية للزراعة والمعيشة، والنزوح خلال بداية موسم زراعة المحاصيل الشتوية، وتعطل سلاسل التوريد، وعجز الطاقة، وتقييد وصول المزارعين إلى الأراضي.

المصدر: ألترا سوريا

بيئة سوريا
بيئة سورياhttps://env.sy/press
وطن أخضر للجميع