الموقع لا يزال قيد الإنجاز - الموضوعات والمقالات المدرجة في الموقع تجريبية وعرضة للتغيير أو الإزالة في أي وقت

ذات صلة

آخر الموضوعات

ظاهرة “العجاج” في دير الزور.. حين يصبح الغبار هواءً يوميًا

لم يعد "العجاج" في مدينة دير الزور مجرد مشهد...

الجزيرة السورية.. من تراجع الزراعة إلى خطر الأمن الغذائي

تحت غطاء بلاستيكي مهترئ في منطقة الجزيرة السورية، ينحني...

خطا غاز وكهرباء بين تركيا وسوريا قريباً

أعلن وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، الجمعة 2...

زراعة دمشق وريفها: تشجيع الاستثمار في القطاع ‏الزراعي

تعمل مديرية زراعة دمشق وريفها، على معالجة الصعوبات التي...

الألغام ومخلفات الحرب في سوريا.. مئات الضحايا وتهديد للعودة الآمنة

زاهر هاشم


يُعد التلوث بالألغام الأرضية ومخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة من أبرز التحديات التي تواجه السوريين، إذ تؤثر بشكل مباشر على حياة المدنيين وتعيق جهود إعادة الإعمار والتنمية.

وتتسبب هذه المخلفات كل يوم في وقوع العديد من الضحايا، خصوصًا في صفوف المدنيين، كما تعرقل الوصول إلى الأراضي الزراعية والمرافق الحيوية، وتهدد سبل العيش، وتُشكل خطرًا كبيرًا على العاملين في المجال الإنساني، مما يعوق جهود الإغاثة ويؤخر الاستجابة الطارئة.

وخلفت الحرب المدمرة التي شنها نظام الأسد وحلفاؤه على مدى نحو 14 عامًا على الشعب السوري، إرثًا مدمرًا من الألغام الأرضية والذخائر غير المتفجرة في جميع أنحاء سوريا، والتي أثرت على معظم المناطق المأهولة بالسكان وخاصة في الشمال الغربي من البلاد.

أكثر من نصف السكان معرضون للخطر

تُقدر دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام “أونماس” أنه منذ عام 2013، يُقتل أو يُصاب ما معدله ستة أشخاص يوميًا بسبب الذخائر المتفجرة، ووثقت منظمة الهلال الأحمر العربي السوري، بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 2696 حادثًا أودى بحياة 2630 شخصًا وأصاب 3731 آخرين بين عامي 2019 وبداية 2025.

كما يواجه نحو 14.4 مليون رجل وامرأة وطفل خطر التعرض للذخائر القابلة للانفجار، بحسب الـ “أونماس”. وتنقسم مخلفات الحرب غير المتفجرة بشكل رئيسي إلى فئتين: الأولى هي الذخائر غير المتفجرة (UXOs)، مثل القنابل العنقودية وقذائف الهاون والقنابل اليدوية، والثانية هي الألغام الأرضية التي زرعت قوات الأسد مئات الآلاف منها في مناطق مختلفة من سوريا، معظمها في الأراضي الزراعية.

ويتعرض الأطفال بشكل كبير إلى مخاطر جسيمة جراء التعرض لمخلفات الحرب بنوعيها ورصدت منظمة “أنقذوا الأطفال”(Save the Children) مقتل أو إصابة ما لا يقل عن 180 طفلًا بسبب الألغام الأرضية والذخائر القابلة للانفجار خلال الأشهر الثلاثة التي تلت سقوط نظام الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، أي بمعدل طفلين يوميًا.

ومنذ ذلك التاريخ تسببت الألغام الأرضية ومخلفات الذخائر الحربية في سقوط ما لا يقل عن 628 ضحية، أي أكثر من ثلثي إجمالي عدد الضحايا في عام 2023 بأكمله، ويُشكل الأطفال ثلث هذه الخسائر تقريبًا، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد مع عودة المزيد من الأطفال إلى منازلهم، والمساعدة في رعاية الأراضي الزراعية أو البحث عن الطعام، واللعب في الهواء الطلق، خاصة مع استمرار تحسن الأحوال الجوية.

وعاد ما يقرب من 1.2 مليون شخص إلى مناطقهم الأصلية في سوريا، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من المرحلة الانتقالية في سوريا، بما في ذلك أكثر من 885 ألف نازح داخلي و292 ألف سوري عادوا من خارج البلاد، وفقًا لتقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة.

جهود التطهير والإزالة

تعتبر مناطق شمال غرب سوريا، محافظة دير الزور، وأيضا مدينة تدمر وسط البلاد ودرعا جنوبًا، من أكثر المناطق التي تشهد كثافة كبيرة بانتشار الألغام الأرضية، كما تعتبر محافظات إدلب وحلب وحماه من أكثر المحافظات التي تشهد كثافة كبيرة في انتشار الذخائر غير المتفجرة بالإضافة إلى محافظة دير الزور، بحسب ما ذكر محمد سامي المحمد، منسق برنامج إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري (المعروفة بالخوذ البيضاء)، في حديثه لـ”الترا سوريا”.

وتواصل فرق الخوذ البيضاء عملياتها في سوريا للتخلص من مخلفات الحرب وتتنوع أعمال الفرق من عمليات مسح غير تقني وتحديد المناطق الملوثة بمخلفات الحرب وإزالة المخلفات، إلى جلسات التوعية بتلك المخلفات.

ومنذ سقوط نظام الأسد ومع تلاشي خطوط التماس وعودة جزء من المهجرين لمنازلهم ازدادت بشكل كبير حوادث انفجار مخلفات الحرب وكثفت فرق الخوذ البيضاء عملها بشكل كبير.

ويوضح المحمد بأنه ومنذ شهر كانون الأول/ديسمبر الفائت إلى الآن، قامت فرق الخوذ البيضاء بإزالة ما يقارب حوالي 3000 ذخيرة مختلفة الأشكال والأنواع في مختلف المناطق السورية، بالإضافة إلى تحديد حوالي 500 نقطة ملوثة بالذخائر غير المتفجرة، وأيضًا تحديد أكثر من 140 حقلًا ونقطة تتواجد فيها ألغام أرضية مضادة للأفراد ومضادة للآليات، في المناطق المدنية وبالقرب من منازل المدنيين وفي الحقول الزراعية والمرافق.

وفي السياق ذاته وعلى الرغم من أن تفويض عملها لا يخولها القيام بعمليات التطهير وإزالة الألغام، تقوم منظمة الهلال الأحمر العربي السوري بدور مهم وحيوي في هذه العملية من خلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تتولى هذه المهمة.

يوضح المهندس عواد حمد العيسى، مدير وحدة الأعمال الإنسانية المتعلقة بالألغام في منظمة الهلال الأحمر العربي السوري، في حديثه لـ “الترا سوريا”، هذا الدور الذي تقوم به فرق المسح غير التقني المكونة من 27 موظفًا في 6 محافظات سورية (حلب – حمص – حماة – اللاذقية – دير الزور – ريف دمشق).

وتبدأ أولى خطوات الإزالة، بحسب العيسى، بجمع الأدلة عن تلوث منطقة ما وتسجيل إحداثيات هذه المخلفات ورسم خرائط المناطق “مؤكدة الخطورة” والمناطق المشتبه بخطورتها وتحديد أولويات الإزالة بالنسبة للمجتمعات المحلية من حيث تأثيرها على حياتهم اليومية أو سبل كسب عيشهم.

وأنجزت الوحدة المذكورة خلال فترة عمل فرق المسح غير التقني منذ عام 2022 وحتى الآن مسحًا لأكثر من 400 منطقة وإعداد أكثر من 1700 تقرير مسح وتوثيق 104 مناطق مؤكدة الخطورة و75 منطقة مشتبه بخطورتها (حقول ألغام أو منطقة انتشار ذخائر عنقودية أو كثافة عالية لمخلفات الحرب)، وتشارك فرق الهلال الأحمر تقاريرها مع الجهات التي تقوم بالإزالة من وزارة الدفاع أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكذلك إبلاغ فرق الدفاع المدني السوري عن بعض المواقع التي يمكنها التدخل فيها بشكل طارئ.

الوقاية عبر التوعية

يساهم تعزيز الوعي بمخاطر الألغام ومخلفات الحروب في تزويد المدنيين بالمعرفة والمهارات التي تمكنهم من تجنب هذه المخاطر، من خلال تعليم الأفراد كيفية التعرف على الألغام والذخائر غير المنفجرة، وتدريبهم على سُبل البقاء الآمن في المناطق الملوثة، مما يسهم بشكل مباشر في الحد من الإصابات والوفيات.

وتستخدم منظمة الدفاع المدني السوري، في جهود التوعية، أدوات متنوعة مثل الملصقات التوعوية والجلسات التفاعلية المباشرة، والتي تُعد من أكثر الأساليب فعالية، خاصةً عندما يقودها متطوعو الفرق الذين ينتمون إلى المجتمعات ذاتها، ما يجعل تواصلهم أكثر تأثيرًا وموثوقية. وتركز هذه الجلسات على خطر الذخائر غير المنفجرة وضرورة الابتعاد عن الأجسام الغريبة، وأهمية إبلاغ فرق الدفاع المدني السوري المختصة عنها فورًا.

ويشير منسق برنامج إزالة مخلفات الحرب في المنظمة، محمد سامي المحمد، إلى أن فرق الدفاع المدني السوري قدمت برامج عديدة لتوعية الراغبين بالعودة إلى مناطقهم استفاد منها حوالي 15 ألف شخص إلى الآن، وتتابع هذه الفرق عملياتها بتوزيع الملصقات في عموم المناطق التي تدخل إليها.

بدوره، يوضح عواد حمد العيسى جهود منظمة الهلال الأحمر العربي السوري بخصوص أنشطة التوعية والتي يتم فيها الحديث عن أنواع المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها السكان والأماكن الخطرة والإشارات والمؤشرات التي تدل عليها، والسلوك الأكثر أمانا الواجب اتباعه في حال مصادفة مخلفات الحرب والتي تتلخص بعد الاقتراب أو اللمس، وإبلاغ الجهات المعنية للتعامل مع هذه المخاطر.

ويلجأ الهلال الأحمر إلى إيصال هذه الرسائل بطرق مختلفة من الأنشطة، مثل جلسات التوعية المباشرة ومسرح الدمى وخيال الظل والفعاليات الكبرى والمسابقات الرياضية والأنشطة الثقافية، وتنفذ هذه الفعاليات في المدارس والجامعات والبلديات والمساجد والكنائس ومراكز الإيواء والمراكز الثقافية والأندية الرياضية وحتى في الشوارع والساحات، وتصل هذه الرسائل إلى أكثر من مليون ونصف مليون مستفيد بشكل مباشر، وكذلك من خلال الرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي عبر المنشورات أو الصور أو مقاطع الفيديو.

عواقب مخلفات الحرب

تشير تقديرات منظمة الإنسانية والإدماج (HI) إلى استخدام أكثر من مليون ذخيرة متفجرة في جميع أنحاء سوريا منذ عام 2011، وخاصةً في المناطق المأهولة بالسكان، ولا تنفجر نسبة تتراوح بين 10% و30% من الذخائر المستخدمة، مما يُخلِف مستويات تلوث عالية، ويُعدُ الأطفال والأسر النازحة والعائدون إلى ديارهم أكثر الفئات عُرضةً للخطر.

وتتسبب مخلفات الحرب عند انفجارها بشكل غير متوقع، بأذى جسدي وإعاقات نتيجة بتر الأطراف أو فقدان حاستي السمع والبصر، وحتى الوفاة، خصوصًا بين الأطفال لجهلهم بخطرها ولعبهم وانتقالهم في أماكن موبوءة بمخلفات الحرب، وتقدر دانيلا زيزي، المديرة الإقليمية للاستجابة لسوريا في منظمة (HI) أن أكثر من 28% من سكان سوريا الذين تزيد أعمارهم عن عامين يعيشون الآن مع بعض الإعاقة بسبب سنوات الحرب بالإضافة إلى محدودية الوصول إلى الرعاية الطبية الجيدة.

وتتعرض مستودعات الذخيرة والأسلحة للهجوم، مما يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من المواد الخطرة والذخائر غير المنفجرة، والتسبب في تلوث واسع النطاق في المناطق المحيطة يشكل خطرًا كبيرًا على السكان.

ويؤدي تدمير وتلوث المناطق السكنية والبنية التحتية الحيوية، مثل المستشفيات والمدارس والطرق، إلى إعاقة وصول المدنيين إلى الخدمات الأساسية من تعليم وصحة، وإعاقة عودة النازحين إلى ديارهم بسلام، وتُشكل هذه المخلفات عائقًا قاتلًا أمام التنقل وإيصال المساعدات الإنسانية.

كما تقيد مخلفات الحرب الأنشطة الزراعية بالحد من إمكانية الوصول إلى مصادر المياه والأراضي الصالحة للزراعة، ما يفاقم من تدهور حالة الأمن الغذائي ويهدد المزيد من السكان بالوقوع في براثن الفقر والجوع، وتمتد هذه القيود إلى الأنشطة الصناعية والتجارية بشكل ينعكس سلبًا على النمو الاقتصادي والإنتاجية وبالتالي زيادة معدلات الفقر والبطالة.

تلوث مخلفات الأسلحة والذخائر البيئة بمواد كيميائية ذات أثر طويل مما يجعل التربة غير صالحة للزراعة والمياه غير صالحة للري والشرب، وينعكس ذلك على المدى الطويل على النظام البيئي وقد يؤدي إلى انقراض بعض أنواع الكائنات الحية.يؤدي الخوف والقلق لدى سكان المناطق الملوثة بمخلفات الحرب إلى صدمات نفسية واضطرابات ما بعد الصدمة خصوصًا لدى الأطفال، كما يعاني كثير من الأشخاص الذين يتعرضون للإصابة، إلى الشعور بالعجز والاكتئاب بسبب التغير المفاجئ في نمط الحياة في حال حدوث إعاقات جسدية لديهم، وقد أثرت سنوات الحرب الطويلة بشكل كبير على خدمات الصحة النفسية، مما أدى إلى نقص في الأخصائيين المدربين ومحدودية الدعم المُقدم للمتضررين.

المصدر: ألترا سوريا

بيئة سوريا
بيئة سورياhttps://env.sy/press
وطن أخضر للجميع