تواجه محافظة درعا تحديات كثيرة في القطاع المائي، ما تجلى في العجز عن تلبية متطلبات الأهالي من المياه، سواء للشرب أو لسقاية المزروعات أو غيرها من الاستخدامات الضرورية. وحسب التقديرات، وبمقارنة حصة الفرد من المياه ما قبل عام 2011 بحصته في الوقت الحاضر، نقف أمام انخفاض ملحوظ بل وحاد، فقد انخفضت الحصة من (100 – 125 لترًا يوميًا) إلى ما يتراوح بين (1 – 60 لترًا يوميًا) في أحسن الأحوال.
جفاف مسطحات ومواقع مائية عديدة
أسباب مختلفة أدت إلى جفاف عدة مصادر مياه كانت شريانًا حيويًا في المحافظة، فحتى وقت ليس ببعيد كان الأهالي يقصدون أطراف سد درعا الشرقي، الممتلئ بالمياه والذي تحيط به الأشجار، كمكان للترويح عن أنفسهم وقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع عوائلهم، ولطالما روى السد بمياهه أهل المنطقة ومزارعهم. هذا الحال تبدل منتصف العام 2016، وتحديدًا أواخر شهر نيسان/أبريل، حيث جفت مياه السد نتيجة لموجات الجفاف التي شهدتها المحافظة وغياب قوة رادعة لمحاسبة المعتدين على مصادر المياه ومحطاتها، إذ كانت تتم تغذية السد من عدة ينابيع، أهمها الأشعري والهرير وبحيرة المزيريب، عبر مجرور صناعي تم إنشاؤه عام 1995، لكن عملية ضخ المياه توقفت منذ بداية عام 2013 نتيجة تعرض المضخة الرئيسية لأعمال السرقة والتخريب بالتزامن مع موجات الجفاف التي مرت بها المحافظة. وكل ذلك أسهم في جفاف سد درعا.
أما بحيرة المزيريب، فتعتبر هي الأخرى من أبرز المؤشرات على الجفاف وتراجع منسوب المياه الجوفية في درعا، إذ انخفضت مياهها منذ عام 2017، حتى جفّت كليًا ابتداء من عام 2022، وكان من أكبر أسباب ذلك سحب المياه عبر حفر الآبار العشوائي والذي غير مسار خطوط تغذية البحيرة. علمًا أن البحيرة، التي تبلغ مساحتها 1 كم مربع، كانت من أهم المسطحات التي تزود الأهالي بالمياه في بلدتي المزيريب واليادودة، ومنطقتي ضاحية درعا ودرعا البلد، إضافةً لتغطية بعض احتياجات محافظة السويداء.
كذلك جفت “عيون العبد” في منطقة العجمي، بعد أن كانت تروي نحو 100 ألف نسمة ضمن منطقة الجيدور التي تضم مدن وبلدات (الشيخ مسكين، إنخل، جاسم، نمر، الحارة، الدلي، الفقيع) في ريف درعا الشمالي والغربي، بينما كانت المياه الفائضة عن الحاجة تذهب لأعمال السقاية في بساتين مدينة طفس وقرى العجمي وزيزون، أما حاليًا فاضطر معظم سكان الجيدور إلى الاعتماد على مصادر بديلة مثل الآبار المحلية في تأمين احتياجاتهم. وتعود أسباب هذا الجفاف إلى انخفاض كميات الأمطار وتراجع منسوب المياه الجوفية إلى جانب الحفر العشوائي للآبار، الأمر الذي تسبب بثقب الطبقة الحاملة لمياه الينابيع المغذية لعيون العبد، فغارت كثير من مياهها في باطن الأرض.
مخاطر كثيرة تهدد مياه المحافظة
التحديات التي تواجه قطاع المياه في درعا متشعبة، فإضافةً إلى جفاف ينابيع عديدة كانت مصدرًا رئيسًا للمياه مثل “عيون العبد” وانخفاض منسوب ينابيع غيرها كالأشعري، هناك 20 محطة ضخ من أصل 50 لا تعمل أبدًا و116 بئرًا جوفيًا حكوميًا مرخصًا من أصل 618 هي خارج الخدمة، يضاف إلى ذلك نسبة الهدر العالية في المياه والطاقة الكهربائية نتيجة الاعتداءات على خطوط نقل الطاقة الكهربائية وخطوط جر المياه.
كما تبرز مشكلة التشغيل المتمثلة في الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وعدم وصوله بشكل منتظم إلى المشاريع والمحطات الرئيسية، وتطبيق نظام الترددية الكهربائية على هذه المشاريع مما يؤدي إلى حدوث أعطال تؤثر سلبًا على عمل المؤسسة العامة لمياه الشرب، إلى جانب عدم قدرة المؤسسة على توفير الوقود اللازم لتشغيل المشاريع بسبب عدم كفاية التوريدات.
يضاف إلى ما سبق مشاكل الصيانة، إذ ليس لدى مؤسسة المياه القدرة على الإصلاح الجذري للأعطال اليومية المتكررة في الآبار ومحطات الضخ بسبب عدم وجود قطع غيار ومعدات كافية للصيانة، كما أن هناك نقصًا في الآليات الثقيلة (باكر، رافعة، صهاريج) وغلاء أسعار صيانتها، فضلًا عن نقص الكوادر المتخصصة العاملة في قطاع المياه.
الآبار العشوائية فاقمت المشكلة
منذ سنوات، تشهد بعض المناطق في محافظة درعا حالة من الفوضى، وهو الأمر الذي استغله البعض، فعملوا على حفر الآبار بشكل عشوائي دون الحصول على أي موافقات وتراخيص تسمح لهم بذلك، خاصة مع غياب الرقابة والمتابعة الحكومية الجادة لهم.
وبحسب مصدر خاص في مديرية الموارد المائية بدرعا، يقدر عدد الآبار الارتوازية المرخصة والفاعلة حاليًا بنحو 502، في حين كان عددها قبل العام 2011 حوالي 355 بئرًا، إضافة لآبار مديرية الزراعة البالغ عددها 15 بئرًا في العمل من أصل 70، أما بخصوص أعداد الآبار العشوائية غير المرخصة فيقول المصدر لـ”الترا سوريا”: “لا يمكننا حصر عددها بشكل دقيق لكن تقديراتنا تشير إلى أنها تبلغ حوالي 50 ألف بئر تتركز في الريف الغربي بسبب غزارة المياه الجوفية هناك، وهو رقم ضخم جدًا”.
ويتابع: “موجات الجفاف المتعاقبة وانحسار منسوب المياه الجوفية دفعت بعديد من أصحاب الآبار المخالفة إلى زيادة عمق البئر بحثًا عن الماء الأمر الذي عمق من المشكلة وزاد تدهورها”.
معاناة وإجراءات إسعافية
مع تراكم المشاكل المذكورة وجد كثير من أهالي المحافظة أنفسهم أمام واقع قاسٍ يزيد معاناتهم، وباتوا يضطرون في أحيان كثيرة للاعتماد على شراء المياه عبر الصهاريج والتي قد تكون غير آمنة صحيًا وغير موثوقة المصدر.
أصدر مجلس محافظة درعا تعميمًا بتاريخ 20 آذار/مارس 2025 يتضمن إجراءات عاجلة تشمل إيقاف كافة أعمال حفر الآبار لمختلف الغايات وتشميع وإغلاق كافة الآبار المخالفة والواقعة ضمن حرم ينابيع مياه الشرب ومشروع الإرواء لمدينة درعا، وعن كيفية تطبيق هذه الإجراءات يقول مصدر في المؤسسة العامة لمياه الشرب بدرعا لـ”الترا سوريا”: “كمرحلة أولى وبالتعاون مع مجلس محافظة درعا سيتم تنفيذ حملة ضد التعديات على خطوط الكهرباء المغذية لمحطات ضخ المياه والآبار التابعة لمؤسسة المياه، إذ يستخدم أصحاب الآبار المخالفة تلك الخطوط لتشغيل آبارهم، إضافة لإنهاء التعديات على خطوط رئيسة لإيصال المياه إلى الأهالي في عدة مناطق بمحافظة درعا”.
كما شكّل محافظ درعا لجنة مكونة من المعنيين بقطاع المياه وأوكل إليها عدة مهام، أبرزها وضع رؤية متكاملة للحد من ظاهرة التعدي على محطات وخطوط ضخ مياه الشرب وخطوط التغذية الكهربائية الخاصة بمحطات الضخ، مع تحضير خطة إسعافية لتأمين المعدات والأدوات اللازمة لإجراء الصيانات الدورية، إضافة إلى وضع أسس لتوعية المواطنين بأهمية ترشيد استهلاك المياه.
ومع ذلك، تبقى مشكلة المياه في محافظة درعا، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون ونصف، بحاجة إلى حلول أكثر شمولية وإجراءات عاجلة أكثر حسمًا، وكذلك إلى تجسيد التوجهات والقرارات المتخذة على أرض الواقع.
أحمد الزعبي – ألترا سوريا