بعد أربعة عشر عامًا من الأزمات والنزاعات المسلحة، لا تزال الألغام الأرضية والمخلفات المتفجرة للحرب تشكل تهديدًا قاتلًا للمدنيين في سورية، خاصة مع عودة المزيد من الأشخاص إلى ديارهم بعد سنوات من النزوح، ومع تعرض مجتمعات جديدة للتلوث نتيجة تصاعد أعمال العنف.
منذ الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، شهدت سوريا ارتفاعًا مأساويًا في عدد الضحايا بسبب الذخائر المتفجرة. فقد تم الإبلاغ عن 748 إصابة بين ذلك التاريخ و الخامس و العشرين من آذار/ مارس من هذا العام، من بينها أكثر من 500 إصابة منذ الأول من كانون الثاني / يناير فقط، مقارنة بـ 912 إصابة تم تسجيلها طوال عام 2024. وقد حصدت الألغام والذخائر المتفجرة أرواح الأطفال أثناء اللعب في درعا وحماة، كما أصيبت النساء أثناء جمع الحطب أو الخردة المعدنية في دير الزور وإدلب، وتعرض المزارعون للإصابات أثناء العمل في أراضيهم في دوما.
يرتبط هذا الارتفاع الأخير في عدد الضحايا بالتطورات التي شهدتها سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية. فقد أدى وجود المركبات العسكرية المهجورة، التي قد تكون محملة بالذخائر أو المتفجرات، ومخزونات الذخائرالمهملة إلى زيادة تعرض المدنيين للخطر. وفي الوقت نفسه، تسببت الضربات العسكرية على مواقع تخزين الأسلحة والذخائر في أنحاء البلاد في انتشار المزيد من الذخائر المتفجرة القاتلة، مما عرّض المزيد من المجتمعات للخطر. ومع تزايد أعداد النازحين العائدين إلى مناطقهم الأصلية منذ كانون الأول الماضي، بدأ العديد من المدنيين، دون علمهم، في دخول مناطق خطرة بعد سنوات من النزوح. كما دفعت الأزمة الاقتصادية المزيد من الأشخاص إلى جمع الخردة المعدنية، بما في ذلك بقايا الأسلحة والمتفجرات من المواقع المهجورة، وبيعها لكسب لقمة العيش. وأخيرًا، في ظل غياب برنامج شامل لمكافحة الألغام في سوريا، لجأ المدنيون بشكل متزايد إلى محاولة إزالة المتفجرات بأنفسهم في غياب الخبراء المؤهلين، مما يعرضهم لمخاطر جسيمة.
بوجه عام، يواجه أكثر من نصف سكان سوريا مخاطر مميتة يوميًا، ويُعد الأطفال الأكثر عرضة للخطر، حيث أن واحدًا من كل ثلاثة ضحايا للذخائر المتفجرة هو طفل. ولكن تأثير هذه المشكلة يمتد إلى ما هو أبعد من التهديد الجسدي المباشر بفقدان الحياة أو أحد الأطراف. بسبب انتشار التلوث بالأسلحة، تواجه المجتمعات في العديد من المناطق صعوبات في الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والاحتياجات الأساسية، بسبب الخوف من التنقل في المناطق المتأثرة. كما يخشى المزارعون زراعة أراضيهم أو تربية المواشي، مما يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي.
في هذا اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام والمساعدة في مكافحتها، يجب أن نسلط الضوء على خطورة الوضع وإلحاحه. تدعو اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى توسيع نطاق التوعية بالمخاطر، وتعزيز سبل العيش الآمنة، وزيادة جهود إزالة الألغام لمنع المزيد من المآسي. هناك حاجة ماسة إلى المزيد من الموارد المالية والمعدات لإزالة الذخائر غير المنفجرة وتوعية المجتمعات بكيفية حماية أنفسهم.
لسنوات، عملت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع شركائنا في الهلال الأحمر العربي السوري للتخفيف من مخاطر مخلفات الحرب المتفجرة. ففي عام 2024 وحده، وبدعم من منظمتنا، شارك 379,300 شخص في جلسات التوعية بالمخاطر التي ينظمها الهلال الأحمر العربي السوري، وتلقى 130,000 شخص مواد توعوية. كما أرسلت اللجنة الدولية أكثر من 4.5 مليون رسالة نصية لتحذير المجتمعات المعرضة للخطر من الذخائر المتفجرة. أنجزت فرق المسح غير الفني التابعة للهلال الأحمر 186 تقريرًا، رسمت من خلالها خرائط للمخاطر في 67 قرية ومدينة، بينما قامت فرق إزالة الذخائر التابعة للجنة الدولية بمسح 1,815,000 متر مربع في حلب وريف دمشق، وتم تطهير 737,746 مترًا مربعًا وتدمير 559 جسما متفجرًا بأمان. وقد ساعدت هذه الجهود 93,500 شخص – من بينهم عائدون – في استعادة إمكانية الوصول إلى منازلهم وسبل عيشهم.
عائلة عمرة هي واحدة من بين العديد من العائلات التي عادت إلى ديارها بعد عام من النزوح، إلى بلدة برلهين في حلب، لتجد أرضها مليئة بمخلفات الحرب المتفجرة. عندما أصيب ابنها بإحدى هذه الذخائر، تملكها الخوف من الأرض التي كانت يوماً مصدر رزقها. ولكن بفضل جهود إزالة الذخائر التي قامت بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أصبحت أرض عمرة آمنة الآن. واليوم، تستطيع عمرة أن تلمس تربة أرضها بيديها وتعتني بأشجار الزيتون الخاصة بها دون خوف.
بالإضافة إلى ذلك، تلقى 138 شخصًا من المتضررين من الذخائر المتفجرة إعادة تأهيل جسدي ودعمًا نفسيًا واجتماعيًا، مجانًا، في مراكز الهلال الأحمر أو وزارة الصحة المدعومة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. كما تمت إحالة 18 شخصًا لتلقي مزيد من الرعاية الطبية، وحصل 381 شخصًا على مساعدات إنسانية، لمساعدتهم على استعادة حياة كريمة ومستقلة قدر الإمكان. أحد الناجين من انفجار لغم، محمد، تلقى ساقًا اصطناعية في مستشفى الهلال الأحمر واللجنة الدولية في مخيم الهول. واليوم، يخطو خطوات بطيئة ولكن ثابتة في رحلته نحو المستقبل الذي يحلم به.
كما يتم دمج خبرات اللجنة الدولية في التعامل مع التلوث بالأسلحة في تخطيط وتصميم برامج الاستجابة الخاصة بنا، حيث تُجرى تقييمات لتحديد المخاطر وضمان بيئة عمل آمنة للفرق الميدانية.
تظل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري ملتزمين بتخفيف المعاناة الناجمة عن الذخائر المتفجرة في سوريا. ولكن لا يمكن القيام بهذا العمل بمفردنا. يجب على جميع الجهات الفاعلة في مجال مكافحة الألغام، بما في ذلك السلطات في سوريا، دعم منظمات مكافحة الألغام والعمل بشكل جماعي نحو تطوير هيئة وطنية لمكافحة الألغام وإنشاء مركز وطني لمكافحة الألغام.
من خلال العمل معًا، يمكننا استعادة الأمل، وإعادة بناء المجتمعات، ومساعدة العائلات على التقدم نحو مستقبل خالٍ من المخاطر الخفية والدائمة للحرب.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر